قال عبدالله أبو السمح الكاتب الصحافي المعروف في أولى مكاشفاته، بأن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش كان مشروعا جيدا للمنطقة، وأضاف أن ما أفشل المشروع هو الهجوم القومي عليه تحت ستار القضية الفلسطينية، وتطرق الحوار إلى رأي أبو السمح حيال الانتخابات البلدية وأبان بأن التيار الإسلامي كان منظما أكثر من غيره، ووصف أبو السمح مجالس المثقفين بأنها جعجعات بلا معنى، وأن بياناتهم التي يصدرونها لا أثر لها، وإلى تفاصيل الحوار:
دعني أبدأ معك ونحن نعيش وداع الرئيس الأمريكي جورج بوش للبيت الأبيض، وأستشرف رؤيتك عن مرحلته، وخصوصا أنك كتبت عدة مقالات عنه.
- أولا بوش لديه ايجابيات وكذلك سلبيات، وأكثر ايجابياته كانت في مراحله الأولى باعتبار تبنيه للديموقراطية والاهتمام بمسائل التنمية الشعبية، وجاء بمشروع الشرق الأوسط الكبير، صحيح أنه تأخر وأخفق، غير أنني أرى أنه كان مشروعا جيدا لنا.
وبرأيك، أين تكمن الأسباب في إخفاق مشروع الشرق الأوسط الكبير وتخلي الإدارة الأمريكية عنه جملة وتفصيلا؟
- كما قلت لك، بوش في فترته الأولى كان جيدا، لكن حالة الإرهاب التي حدثت في ولايته أصابته بنوع من الهزة، فركز على أمور كان لا ينبغي التركيز عليها. أما عن أسباب فشل هذا المشروع، ففي رأيي هو تجمهر كثير من الناس ضده، وللأسف لا نزال إلى الآن في هذه المنطقة نعيش تسلط الفكر القومي، وتحت لافتة القضية الفلسطينية هاجموه، وقالوا إن مشروع الشرق الأوسط الكبير هو غطاء لتمرير السلام مع إسرائيل، وقاموا بتهييج الشارع العربي بلا عقلانية ولا منطق، وصدق عبد الرحمن الراشد عندما قال لك في حواره الأخير بأن الناس قد يستمالون بالطرق غير العقلية، فصارت ضجة نحو هذا المشروع من ناحية المواجهة الإسرائيلية.
لتوك قلت هاجموه.. دعنا نكن دقيقين في التحديد.. من تقصد هنا؟
- القوميون من جهة، والإيرانيون كان لهم دور كبير مع جماعتهم في حزب الله، حتى القاعدة لها دور مع إخواننا السلفيين المتطرفين.
لم تبق أحدا ما شاء الله، أليس رميك بالتهم هنا أستاذ عبدالله، هو التفاف عن السبب الحقيقي الذي قال به حتى المحللون الغربيون، بأن الإدارة الأمريكية أقلعت عن هذا المشروع بعد ظهور نتائج الانتخابات في الكويت؟ وكذلك في مصر ووصول حماس للسلطة إضافة إلى نتائج الانتخابات البلدية في السعودية..ففزع العم سام من وصول الإسلاميين عبر الديموقراطية؟
- انتخابات السعودية لم نلتفت نحن إليها فكيف ببوش.
الانتخابات البلدية السعودية
يا رجل، أول انتخابات رسمية لدينا وحظيت بتغطيات عالمية، وتقول هكذا بكل بساطة إن المجتمع لم يلتفت إليها..أين كنت وقتها، ألم تر الشحن الشعبي والاجتماعي وتتلمس تفاعل المنتديات والنخب الثقافية بها؟.
- الناس لم يكونوا مهيئين لهذه الانتخابات، ومن دخلها كذلك لم يكن مهيئا لها، والتيار الإسلامي مرتب ومنظم وله ميزته الخاصة، واستطاع تنظيم صفوفه للدعاية والتنظيم، فنجاحه لم يكن مستغربا. وإذا وصلت في جدة وفي بعض المناطق التي تتسم بروح الاعتدال فإن كثيرا من الناس لم يأخذوها مأخذ الجد من العاديين أو المستنيرين لأنهم اعتقدوا هذه الانتخابات شيء حكومي ولن يخرجوا بشيء كبير منها.
* لربما أخالفك تماما في موضوع التفاعلية، فقد عايشت اهتمامات النخب بها، ودونك المجالس والمنتديات الخاصة - للمستنيرين بتعبيرك - التي تغشاها أنت عبدالله ابو السمح فقد كانوا في غاية الحماس وكونوا لائحة وقوائم ودخلوا الانتخابات بها.
- أنا أعرفهم تماما هؤلاء، وأعرف هذه (الطرطعات) التي هم عليها..لا يقدمون شيئا ولا يؤخرون، مجرد بطولات و(جعجعات) بلا معنى..
بوش وحذاء منتظر
* لنعد لصاحبك بوش، وقد كتبت مقالات تدافع عن الرجل وتهاجم منتظر الزيدي الذي لخص تاريخ الرئيس الأمريكي في ذلك الحذاء، على الأقل في هذه المنطقة.
-كما قلت لك بوش له فترتان فترة إيجابية جميلة وهي بالطبع كانت في الفترة الأولى ويكفينا أنه خلصنا من صدام حسين الذي كان أبشع نظام ديكتاتوري في المنطقة..أراحنا من ذلك الدكتاتور الغاشم.
* ألا ترى معي أن الأكلاف كانت باهظة.. كانت أشلاء لآلاف القتلى فضلا عن فتن طائفية لا نزال نصطلي بأوارها وأشعلت المنطقة؟.
- بوش ليس له علاقة بهذه الأشلاء والقتلى والفتن الطائفية، هذه يتحمل جريمتها الذين أثاروا الفتن سواء الذين كانوا من العراق أو إيران.
* مهلا مهلا أستاذ عبدالله، كيف لا يتحمل وزرها، فدولة كاملة تسقط ويأتي الأمريكي ويسرح جيشا بكامله يحفظ نظام البلد قاطبة، هكذا بتفكير طفولي بليد.. فماذا تتوقع غير الفوضى.
- صحيح، هذه غلطة عندهم، ويبدو أن دخولهم للمنطقة لم يكن بدراسة مسبقة عميقة، قائمة على حقائق، لقد اعتمدوا على نصائح بعض المعارضين العراقيين فورطوهم، ولكن هذا لا يمنع أنهم خلصونا من الديكتاتور.
*ها أنت تبرر لكل الأخطاء للأمريكي والتي دفع إخواننا في العراق الكثير من أنهار الدماء التي لا تزال تنزف هناك.
- لا تأخذ مسألة الدماء هذه بجدية، لأن العراقيين بطبيعتهم دمويون، والعراقي ومنذ أن خلق الله الدنيا طبيعتهم دموية، وفيهم حدة وعنف، بجانب هذا هناك عناصر كثيرة استغلوا فرصة زوال صدام، والصراع على اقتسام السلطة واستعدادهم للقيام بثورة هو الذي خلق الفوضى في العراق.
الانتقال من فكر إلى فكر
* أنتقل لمحور آخر معك أستاذ عبدالله، وأسألك عن الذين ينتقلون من الضد إلى الضد في الفكر..كيف تقرأ الانتقال الحاد من خندق إلى خندق؟
- هؤلاء قد كتب الله لهم الهداية..أو الانتكاس...
* أنت ترى أنها في جانبها الأكبر هداية.
- أعتقد أنها هداية حين اكتشفوا الحقيقة، وأن هذا العالم لا يتحمل حكاية الفسطاطين، ثانيا العالم يعمل ويصر على التعايش السلمي، لذلك حتى الجهاد لا تجد له الآن أي معنى كما كتبت سابقا، فالزمن الذي فيه جهاد الطلب قد ألغته المعاهدات الدولية، فلم يعد هناك دولة تقوم بالحرب والجهاد لأن العالم سيقف ضدك بحرب، ويمنعك..ما يسمى بجهاد الطلب أصبح الآن اعتداء.
* يا أستاذ عبدالله جيد أنك تتكلم فقط عن جهاد الطلب، ماذا عن جهاد الدفع، هل هو قائم برؤيتك أم أنك على رأي شيخنا العبيكان عندما أمر العراقيين أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم الأمريكي بريمر.
- إذا قصدت الدفاع عن الوطن فذلك مطلوب ومشروع ولكن بشروط وموافقة جماعية، لأنه إن انفرد به فريق أورد البلد مورد الهلاك والخراب..دفع العدوان لا بد أن يكون بإرادة عامة وطنية.
قومي سابق
* لنعد لأولئك الذين يتقافزون من فكر إلى فكر، وأنت قلت عنها أنها هداية من الله، فهل نستطيع سحب هذه الهداية على الأستاذ عبد الله أبو السمح..كنت قوميا، وبت لا تفوت مناسبة أو غيرها إلا وتلمز من قناة القوميين حتى أنني سمعت أحد القوميين القدامي يقول: لكأن القومية أكلت مال أبو السمح ليشتمها آناء الليل وأطراف النهار.
- الحقيقة، وأقولها بأعلى صوت أنني لم أكن قوميا أبدا بهذا المعنى.
ثانيا : لم أكن من أنصار عبد الناصر أبدا في حياتي، فقد عشت فترة في مصر أيام الجامعة ورأيت التيارات التي كانت موجودة، سواء الشيوعية منها أو الإسلاموية كالإخوان المسلمين، وعاصرت فترة القوميين السوريين، ولكنني لم أكن أبدا قوميا بهذا المعنى، برغم أني أفتخر بأن أولى المقالات التي كتب فيها عن القومية في المملكة، كانت مقالا لي في جريدة (الندوة) أو (حراء) وكان عنوانها ( قوميون ولو سخطوا ) يوم أن هاجم أحد الكتاب القوميين وأظنه عبد الوهاب أبو حجر رحمه الله تعالى، وقد أخطأ في تعريف القومية، فكتبت وأنا شاب إذ ذاك ردا عليه، وكانت كتابتي نوعا من الجرأة.
* صحيح أنا أتيت من أجيال تالية لم يدرك ما تحدثت عنه، ولكنني سأشهر لك مقولة صريحة واضحة ـ معارضة لكلامك ـ لرجل عاصرك وهو الأستاذ محمد سعيد طيب الذي قال، إن عبدالله أبو السمح من أولئك القوميين الذين انتكسوا وارتكسوا، وباتوا في خندق النفعيين والانتهازيين
ـ هكذا نصا ـ وإن هذه الانتكاسة جعلته في المنطقة الآمنة.. هذا رجل من مجايليك..بودي سماع تعليقك.
- للأخ محمد سعيد طيب رأيه الخاص، فنحن أصدقاء، كل منا يحترم الآخر، للأسف مجموعة الإخوان هؤلاء يخلطون بين القومية والوطنية، والبلاد العربية مجموعة شعوب وليست شعبا واحدا، وهم مختلفون في العادات والتقاليد واللهجات وغير ذلك، فليس صحيحا من قال إننا شعب واحد. بل شعوب مختلفة ومن أعراق مختلفة، ولو فكرت في الأمر بعمق لعرفت أن هذا من أسباب الخلاف الدائم بين العرب، التضامن هو الحل لا الوحدة المزعومة التي ينادون بها، تماما مثل مناداة البعض بلاهة بالخلافة.
التجربة الناصرية
* إذا كيف تقيم التجربة الناصرية فأنت عشت أحداثها ودرست بمصر وهي في أوجها.
- الناصرية فاشلة فاشلة بكل المقاييس، وأنا أعتقد أن أول من أدخل الديكتاتورية المنظمة للمنطقة هو عبد الناصر، وهو الذي أدخل الضغط والتعذيب المنظم في الدولة.. عبدالناصر كان رجلا يتحدث أكثر مما يعمل، كان صاحب كلمات رنانة فقط، دون أي إنجاز صحيح. وطالما سمعنا منه أكاذيب مثل حكاية أقوى سلاح في الشرق الأوسط وظهر أنها كذبة، بدليل هزيمة 67 المخزية.
* على الأقل وجدنا لك شيئا مشتركا مع الإسلاميين في ذم الفترة الناصرية وديكتاتوريتها.
- رأيي هذا قلته من زمن، وكتبت عنه مقالة منذ تلك الرؤية، أيام هشام حافظ يرحمه الله كتبت في صحيفة (المدينة) كيف أن هؤلاء الناصريين الذين يشتمون العراقيين بأنهم هتكوا الأعراض، والعراقيون يقولون هذا عن الناصريين ويفشون فضائحهم، وقلت: هؤلاء لا أخلاق لهم، يشتمون ويقتلون بعضهم البعض.
* أنت عشت الفترة التي كانت بين الملك فيصل والرئيس عبد الناصر وعشت فترة التوتر بينهما..ما الذي علق بذاكرتك عن تلك الفترة وشخصية الفيصل العظيم.
- كنت مدير محطة تلفزيون جدة وقتها. الملك فيصل كان رجلا ذا شخصية قوية ورجلا فذا لا تستطيع أن تنكر شخصيته، وكان من الممكن أن يكون مبدعا في نواحي الإصلاح، ولكن الظروف المحيطة لم تعطه الفرصة فالمؤامرات الخارجية التي كانت من القوميين لم تعطه الفرصة في التركيز على الداخل، لكن يكفينا إصلاحاته الكثيرة فقد حرر العبيد وأدخل تعليم البنات والتلفاز وحرر الإعلام المسموع والمرئي.
* وهل ترى أن التاريخ أنصفه وأعطاه حقه ومكانته في مقابل عبدالناصر.
- نعم، أعطاه مكانته ويكفيك بأن جميعهم أتوا للمصالحة معه في مؤتمر الخرطوم، لكن القدر لم يمهله لإكمال المسيرة.
دعني أبدأ معك ونحن نعيش وداع الرئيس الأمريكي جورج بوش للبيت الأبيض، وأستشرف رؤيتك عن مرحلته، وخصوصا أنك كتبت عدة مقالات عنه.
- أولا بوش لديه ايجابيات وكذلك سلبيات، وأكثر ايجابياته كانت في مراحله الأولى باعتبار تبنيه للديموقراطية والاهتمام بمسائل التنمية الشعبية، وجاء بمشروع الشرق الأوسط الكبير، صحيح أنه تأخر وأخفق، غير أنني أرى أنه كان مشروعا جيدا لنا.
وبرأيك، أين تكمن الأسباب في إخفاق مشروع الشرق الأوسط الكبير وتخلي الإدارة الأمريكية عنه جملة وتفصيلا؟
- كما قلت لك، بوش في فترته الأولى كان جيدا، لكن حالة الإرهاب التي حدثت في ولايته أصابته بنوع من الهزة، فركز على أمور كان لا ينبغي التركيز عليها. أما عن أسباب فشل هذا المشروع، ففي رأيي هو تجمهر كثير من الناس ضده، وللأسف لا نزال إلى الآن في هذه المنطقة نعيش تسلط الفكر القومي، وتحت لافتة القضية الفلسطينية هاجموه، وقالوا إن مشروع الشرق الأوسط الكبير هو غطاء لتمرير السلام مع إسرائيل، وقاموا بتهييج الشارع العربي بلا عقلانية ولا منطق، وصدق عبد الرحمن الراشد عندما قال لك في حواره الأخير بأن الناس قد يستمالون بالطرق غير العقلية، فصارت ضجة نحو هذا المشروع من ناحية المواجهة الإسرائيلية.
لتوك قلت هاجموه.. دعنا نكن دقيقين في التحديد.. من تقصد هنا؟
- القوميون من جهة، والإيرانيون كان لهم دور كبير مع جماعتهم في حزب الله، حتى القاعدة لها دور مع إخواننا السلفيين المتطرفين.
لم تبق أحدا ما شاء الله، أليس رميك بالتهم هنا أستاذ عبدالله، هو التفاف عن السبب الحقيقي الذي قال به حتى المحللون الغربيون، بأن الإدارة الأمريكية أقلعت عن هذا المشروع بعد ظهور نتائج الانتخابات في الكويت؟ وكذلك في مصر ووصول حماس للسلطة إضافة إلى نتائج الانتخابات البلدية في السعودية..ففزع العم سام من وصول الإسلاميين عبر الديموقراطية؟
- انتخابات السعودية لم نلتفت نحن إليها فكيف ببوش.
الانتخابات البلدية السعودية
يا رجل، أول انتخابات رسمية لدينا وحظيت بتغطيات عالمية، وتقول هكذا بكل بساطة إن المجتمع لم يلتفت إليها..أين كنت وقتها، ألم تر الشحن الشعبي والاجتماعي وتتلمس تفاعل المنتديات والنخب الثقافية بها؟.
- الناس لم يكونوا مهيئين لهذه الانتخابات، ومن دخلها كذلك لم يكن مهيئا لها، والتيار الإسلامي مرتب ومنظم وله ميزته الخاصة، واستطاع تنظيم صفوفه للدعاية والتنظيم، فنجاحه لم يكن مستغربا. وإذا وصلت في جدة وفي بعض المناطق التي تتسم بروح الاعتدال فإن كثيرا من الناس لم يأخذوها مأخذ الجد من العاديين أو المستنيرين لأنهم اعتقدوا هذه الانتخابات شيء حكومي ولن يخرجوا بشيء كبير منها.
* لربما أخالفك تماما في موضوع التفاعلية، فقد عايشت اهتمامات النخب بها، ودونك المجالس والمنتديات الخاصة - للمستنيرين بتعبيرك - التي تغشاها أنت عبدالله ابو السمح فقد كانوا في غاية الحماس وكونوا لائحة وقوائم ودخلوا الانتخابات بها.
- أنا أعرفهم تماما هؤلاء، وأعرف هذه (الطرطعات) التي هم عليها..لا يقدمون شيئا ولا يؤخرون، مجرد بطولات و(جعجعات) بلا معنى..
بوش وحذاء منتظر
* لنعد لصاحبك بوش، وقد كتبت مقالات تدافع عن الرجل وتهاجم منتظر الزيدي الذي لخص تاريخ الرئيس الأمريكي في ذلك الحذاء، على الأقل في هذه المنطقة.
-كما قلت لك بوش له فترتان فترة إيجابية جميلة وهي بالطبع كانت في الفترة الأولى ويكفينا أنه خلصنا من صدام حسين الذي كان أبشع نظام ديكتاتوري في المنطقة..أراحنا من ذلك الدكتاتور الغاشم.
* ألا ترى معي أن الأكلاف كانت باهظة.. كانت أشلاء لآلاف القتلى فضلا عن فتن طائفية لا نزال نصطلي بأوارها وأشعلت المنطقة؟.
- بوش ليس له علاقة بهذه الأشلاء والقتلى والفتن الطائفية، هذه يتحمل جريمتها الذين أثاروا الفتن سواء الذين كانوا من العراق أو إيران.
* مهلا مهلا أستاذ عبدالله، كيف لا يتحمل وزرها، فدولة كاملة تسقط ويأتي الأمريكي ويسرح جيشا بكامله يحفظ نظام البلد قاطبة، هكذا بتفكير طفولي بليد.. فماذا تتوقع غير الفوضى.
- صحيح، هذه غلطة عندهم، ويبدو أن دخولهم للمنطقة لم يكن بدراسة مسبقة عميقة، قائمة على حقائق، لقد اعتمدوا على نصائح بعض المعارضين العراقيين فورطوهم، ولكن هذا لا يمنع أنهم خلصونا من الديكتاتور.
*ها أنت تبرر لكل الأخطاء للأمريكي والتي دفع إخواننا في العراق الكثير من أنهار الدماء التي لا تزال تنزف هناك.
- لا تأخذ مسألة الدماء هذه بجدية، لأن العراقيين بطبيعتهم دمويون، والعراقي ومنذ أن خلق الله الدنيا طبيعتهم دموية، وفيهم حدة وعنف، بجانب هذا هناك عناصر كثيرة استغلوا فرصة زوال صدام، والصراع على اقتسام السلطة واستعدادهم للقيام بثورة هو الذي خلق الفوضى في العراق.
الانتقال من فكر إلى فكر
* أنتقل لمحور آخر معك أستاذ عبدالله، وأسألك عن الذين ينتقلون من الضد إلى الضد في الفكر..كيف تقرأ الانتقال الحاد من خندق إلى خندق؟
- هؤلاء قد كتب الله لهم الهداية..أو الانتكاس...
* أنت ترى أنها في جانبها الأكبر هداية.
- أعتقد أنها هداية حين اكتشفوا الحقيقة، وأن هذا العالم لا يتحمل حكاية الفسطاطين، ثانيا العالم يعمل ويصر على التعايش السلمي، لذلك حتى الجهاد لا تجد له الآن أي معنى كما كتبت سابقا، فالزمن الذي فيه جهاد الطلب قد ألغته المعاهدات الدولية، فلم يعد هناك دولة تقوم بالحرب والجهاد لأن العالم سيقف ضدك بحرب، ويمنعك..ما يسمى بجهاد الطلب أصبح الآن اعتداء.
* يا أستاذ عبدالله جيد أنك تتكلم فقط عن جهاد الطلب، ماذا عن جهاد الدفع، هل هو قائم برؤيتك أم أنك على رأي شيخنا العبيكان عندما أمر العراقيين أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم الأمريكي بريمر.
- إذا قصدت الدفاع عن الوطن فذلك مطلوب ومشروع ولكن بشروط وموافقة جماعية، لأنه إن انفرد به فريق أورد البلد مورد الهلاك والخراب..دفع العدوان لا بد أن يكون بإرادة عامة وطنية.
قومي سابق
* لنعد لأولئك الذين يتقافزون من فكر إلى فكر، وأنت قلت عنها أنها هداية من الله، فهل نستطيع سحب هذه الهداية على الأستاذ عبد الله أبو السمح..كنت قوميا، وبت لا تفوت مناسبة أو غيرها إلا وتلمز من قناة القوميين حتى أنني سمعت أحد القوميين القدامي يقول: لكأن القومية أكلت مال أبو السمح ليشتمها آناء الليل وأطراف النهار.
- الحقيقة، وأقولها بأعلى صوت أنني لم أكن قوميا أبدا بهذا المعنى.
ثانيا : لم أكن من أنصار عبد الناصر أبدا في حياتي، فقد عشت فترة في مصر أيام الجامعة ورأيت التيارات التي كانت موجودة، سواء الشيوعية منها أو الإسلاموية كالإخوان المسلمين، وعاصرت فترة القوميين السوريين، ولكنني لم أكن أبدا قوميا بهذا المعنى، برغم أني أفتخر بأن أولى المقالات التي كتب فيها عن القومية في المملكة، كانت مقالا لي في جريدة (الندوة) أو (حراء) وكان عنوانها ( قوميون ولو سخطوا ) يوم أن هاجم أحد الكتاب القوميين وأظنه عبد الوهاب أبو حجر رحمه الله تعالى، وقد أخطأ في تعريف القومية، فكتبت وأنا شاب إذ ذاك ردا عليه، وكانت كتابتي نوعا من الجرأة.
* صحيح أنا أتيت من أجيال تالية لم يدرك ما تحدثت عنه، ولكنني سأشهر لك مقولة صريحة واضحة ـ معارضة لكلامك ـ لرجل عاصرك وهو الأستاذ محمد سعيد طيب الذي قال، إن عبدالله أبو السمح من أولئك القوميين الذين انتكسوا وارتكسوا، وباتوا في خندق النفعيين والانتهازيين
ـ هكذا نصا ـ وإن هذه الانتكاسة جعلته في المنطقة الآمنة.. هذا رجل من مجايليك..بودي سماع تعليقك.
- للأخ محمد سعيد طيب رأيه الخاص، فنحن أصدقاء، كل منا يحترم الآخر، للأسف مجموعة الإخوان هؤلاء يخلطون بين القومية والوطنية، والبلاد العربية مجموعة شعوب وليست شعبا واحدا، وهم مختلفون في العادات والتقاليد واللهجات وغير ذلك، فليس صحيحا من قال إننا شعب واحد. بل شعوب مختلفة ومن أعراق مختلفة، ولو فكرت في الأمر بعمق لعرفت أن هذا من أسباب الخلاف الدائم بين العرب، التضامن هو الحل لا الوحدة المزعومة التي ينادون بها، تماما مثل مناداة البعض بلاهة بالخلافة.
التجربة الناصرية
* إذا كيف تقيم التجربة الناصرية فأنت عشت أحداثها ودرست بمصر وهي في أوجها.
- الناصرية فاشلة فاشلة بكل المقاييس، وأنا أعتقد أن أول من أدخل الديكتاتورية المنظمة للمنطقة هو عبد الناصر، وهو الذي أدخل الضغط والتعذيب المنظم في الدولة.. عبدالناصر كان رجلا يتحدث أكثر مما يعمل، كان صاحب كلمات رنانة فقط، دون أي إنجاز صحيح. وطالما سمعنا منه أكاذيب مثل حكاية أقوى سلاح في الشرق الأوسط وظهر أنها كذبة، بدليل هزيمة 67 المخزية.
* على الأقل وجدنا لك شيئا مشتركا مع الإسلاميين في ذم الفترة الناصرية وديكتاتوريتها.
- رأيي هذا قلته من زمن، وكتبت عنه مقالة منذ تلك الرؤية، أيام هشام حافظ يرحمه الله كتبت في صحيفة (المدينة) كيف أن هؤلاء الناصريين الذين يشتمون العراقيين بأنهم هتكوا الأعراض، والعراقيون يقولون هذا عن الناصريين ويفشون فضائحهم، وقلت: هؤلاء لا أخلاق لهم، يشتمون ويقتلون بعضهم البعض.
* أنت عشت الفترة التي كانت بين الملك فيصل والرئيس عبد الناصر وعشت فترة التوتر بينهما..ما الذي علق بذاكرتك عن تلك الفترة وشخصية الفيصل العظيم.
- كنت مدير محطة تلفزيون جدة وقتها. الملك فيصل كان رجلا ذا شخصية قوية ورجلا فذا لا تستطيع أن تنكر شخصيته، وكان من الممكن أن يكون مبدعا في نواحي الإصلاح، ولكن الظروف المحيطة لم تعطه الفرصة فالمؤامرات الخارجية التي كانت من القوميين لم تعطه الفرصة في التركيز على الداخل، لكن يكفينا إصلاحاته الكثيرة فقد حرر العبيد وأدخل تعليم البنات والتلفاز وحرر الإعلام المسموع والمرئي.
* وهل ترى أن التاريخ أنصفه وأعطاه حقه ومكانته في مقابل عبدالناصر.
- نعم، أعطاه مكانته ويكفيك بأن جميعهم أتوا للمصالحة معه في مؤتمر الخرطوم، لكن القدر لم يمهله لإكمال المسيرة.